قراءة نقدية في ديوان شعر نوايا معلقة - أنس أبو عريش
نوايا معلقة
إنه لمن المبهر أن يكتب شاب بعمر التسعة عشر عاماً ديواناً شعرياً، يرسم فيه آماله وتطلعاته، ومشاعره، بدقة ورصانة، إنها تسعة عشر عاماً فقط، في أواخر 2012 خرج علينا الطالب في جامعة بيرزيت أنس أبو عريش بديوان شعري معنون ب"نوايا معلقة" ليضّمن نصوصاً تقترح هدنة طويلة الأمد بين الذاكرة والمعنى، يا إلهي كيف تجتمع كلمتان متباعدتا الجغرافيا لتكونا معاً معنى مألوفاً كان أقرب ما يكون إلى لساني؟ إنه ضرب من السحر! كيف تبحر بين النصوص لتكتشف هزلَ قاربك؟ قرار الكتابة صعب، ولا منطقي، لكن حين تشعر أنك بدأت تصل إلى مضامين الأحداث، تشعر أنك تتملك كل شيء، وأن كل شيء يتملكك...
لنسرد القصة من أولها، الغلاف ببساطته وعفويته، يبشر بشيء ما، لكن لا أدري إن كان زهر اللوز (في الحقيقة لست متأكداً إن كان لوزاً)، الذي أراه على الغلاف، ينطق بشيء ما، لكن محصلته مع ما حوله، من عناصر، تدعوك للتفاؤل، حتى نكون واقعيين لا علاقة لهذا بمضمون النص، في نفس الوقت لا أستطيع ان أنكر أنه كان حافزاً لدي للقراءة. البداية تحتوي عدة قصائد قصار لا تتجاوز أطولها صفحتين، منوعة وغنية بالتعابير الفنية، التي تليق بكاتب متمرس، ليس بكاتب لم يتجاوز تسعة عشر عاماً، لا أدري إن كان هذا مديحاً أم هجاءً!.
آخر قصائد الديوان، طويلة بعض الشيء، ومعانيها أكثر عمقاً، وأعتقد أن تجربة الشاب الشعرية تبلورت فيها أكثر واتضحت قياساتها وتفاصيلها. ولا أنكر شخصياً أن معظم القصائد قرأتها أكثر من مرة، هناك نوع من الغموض، خاصة حين تقرأ النص للمرة الأولى. تتضح بعض الأمور في المرة الثانية وتبدأ بربط الخيوط ببعضها، وتصل شيئاً فشيئاً
إلى المغزى، ثم تأخذ وقتاً لتكتشف كم كنتَ ضعيفاً أمام نفسك.
من أجمل الأشياء بنظري في هذا الكتاب هو أنه لا توجد قصيدة واحدة تتحدث بشكل مباشر عن الحب، تمر الكلمة أكثر من مرة وفي أكثر من موضع، لكن لا تراها بوضوح، ولا تحدد تجاعيدها بشكل نهائي وغير قابل للشك، المغزى في الموضوع هو أنه في الوقت الحالي يكتب كثير من الشعراء ديواناً كاملاً عن هذا الموضوع، أو يكون حاضراً بقوة في معظم قصائد الديوان بل وأحيانا يجعله الكاتب فضاءه الوحيد، وبالتالي فان الشاعر هنا يخلق لنفسه فضاءات جديدة بعيدة عما يفكر به الآخرون.
ومن الجميل أيضاً أن بالديوان مجموعة قصائد قصيرة، يسميها النقاد قصائد ومضة، جاءت هنا تحت عنوان واحد هو نشيج المدائن، وتتحدث هذه المقطوعات القصيرة عن مدن فلسطين التاريخية، خاصة تلك التي هُجر أهلها بالكامل عام النكبة، (رغم أن قصائد الديوان بعيدة عن الوطنية نوعاً ما)، يذكرها ابن كلية الهندسة بأوصاف خيالية، وغاية في الجمال، في حين يتأمل الشعراء حالياً مدن الضفة أو غزة فقط، وبنفس الوقت الذي يتغزل الشعراء الصهاينة بجمال "مدنهم" وروعة أضوائها. وبذلك يقدم الشاعر نموذجاً جديداً للأدب المقاوم في ساحة جديدة هي التشبث بالمكان الذي توقف الزمن فيه من ما يربو على ستين عاماً.
خلاصة الأمر لا أدري إن كان قيام الشاعر الشاب بنشر باكورة أعماله الأدبية في وقت مبكر أمراً مفيداً أم لا، ما يحيرني الآن، هل كان على الشاعر الانتظار قليلاً والتريث قبل أن يقدم على خطوة كهذه؟ أم هل كان لا بد من القيام بذلك حتى تتبين موهبته الأدبية وهو في ريعان شبابه الأدبي؟
جمانة الحلو
قل لهم يا صديقي إن أول الغيث قطرة
بالتوفيق يا أنس
جميل و بالتوفيق