إعلامُنا وإعلامُهم .. في الحرب على غزة
بقلم مالك أبو عريش
ما يلفت انتباهي هو حجم الولع الفلسطيني بنقل الأخبار التي تترجم عن وسائل الإعلام العبرية كما لو أنها أخبار مفروغ من صدقها ودقتها، رغم علم الفلسطينيين بكونها تخضع للرقابة العسكرية من الحكومة الإسرائيلية قبل نشرها على الوسائل الإعلامية الإسرائيلية فبالإضافة إلى أن نقلها يعطيها مصداقية أكثر لدى الجمهور الفلسطيني، فهو كذلك يساهم في نقل الرواية الإسرائيلية على أي حادث، وبما أنها خاضعة للرقابة العسكرية من الحكومة، فقد ساعدت وسائل إعلامنا الفلسطينية على نقل الرواية الحكومية الإسرائيلية.
يقول لك أحد الصحفيين إذا أردت أن تصبح صحفياً ناجحاً فما عليك سوى تعلم اللغة العبرية، ومن ثم الترجمة عن المواقع الإسرائيلية ونشر الأخبار.
بالحديث عن الرقابة العسكرية على الإعلام لدى الحكومة الإسرائيلية، فلا بد من القول انه أمر ذكي ومدروس من الحكومة، فمثلاً عندما تستهدف ناقلة جند في غزة ويموت ثمانية جنود بداخلها بفعل عبوة او قذيفة فلسطينية، فإن الرقابة العسكرية تأخذ وقتها في التفكير ولا تتسرع في الإعلان عن عدد القتلى لعدة أسباب، ولن استغرب عندما يسمحون بنشر الخبر التالي: إصابة ثلاثة جنود أحداهم إصابته خطيرة، وعندما تطلق الصواريخ على الأراضي المحتلة، يسمح بنشر سقوط صواريخ في مناطق مفتوحة ودون إصابات بشرية! لماذا قللت الحكومة من إعداد القتلى ولم تعترف أصلا بموتهم، كما يتبادر للذهن السؤال عن السبب في “إسقاط” هذه الصواريخ في أراضٍ مفتوحة ودون إصابات .
الإجابة كالتالي:
1) ذكر الأرقام الحقيقية للقتلى في صفوف الجيش الإسرائيلي سيدب الرعب في قلوب الجنود الآخرين.
2) الشعب الإسرائيلي سيشعر أن جنوده يخسرون حرباً وأن حكومتهم غير قادرة على حمايتهم ، بالتالي سيهربون أو يهاجرون وفي أفضل الحالات ستخسر الحكومة ثقة الشعب وأصواتهم في أول انتخابات قادمة.
3) تقليل ثقة المقاومين بأنفسهم وإشعارهم بأنهم يخسرون وأن لا جدوى من قتالهم طالما لا يوقعون ضحايا إسرائيليين، بالتالي سيخسرون الالتفاف الشعبي حولهم، ويقللون من إمكانية تجنيد مقاومين جدد.
4) إشعار الفلسطينيين بأن من يقاتل منهم لا يقدم شيئاً لفلسطين، بالتالي تدمير ثقة الفلسطينيين بقضيتهم وإشعارهم أن لا جدوى من القتال، وإشعارهم أن انتصارهم على إسرائيل أمر مستحيل.
غريب أمر الإعلاميين الفلسطينيين، فعندما تعلن المقاومة عن قتلها 10 من الجنود الإسرائيليين ويعلن الجيش الإسرائيلي عن قتيل واحد وعدة إصابات في نفس العملية، تجد وسائل الإعلام الفلسطينية تعنون أخبارها بما قالته الوسائل الإسرائيلية ومعتمدة اياها كرسمية.
حرب ابو عبيدة – ادرعي الإعلامية
ظلت المقاومة الفلسطينية في غزة تقول بعد كل عملية قتلنا عدد كذا من الجنود، بينما لا يذكر الجيش الإسرائيلي إلا نصف العدد كإصابات فقط، حتى جاء الإعلان عن أسر الجندي الإسرائيلي شاؤول آرون الذي شكل مفترقاً إعلامياً.
حين قال ابو عبيدة بالحرف الواحد “جاء صدق القسام بعد تردد العدو في الاعتراف بالعدد الحقيقي لقتلاه في هذه العملية، لكنّ حجم الصدمة الكبير الذي أوقعته هذه العملية أجبرت العدو على الاعتراف ببعض خسائره فيها، لكن الذي لم يعترف به العدو اليوم هو فقده لأحد جنوده في هذه العملية،” فإذا استطاعت قيادة العدو أن تكذب في أعداد القتلى والجرحى، فعليها أن تجيب جمهورها عن مصير هذا الجندي الآن”.
وبهذا وجه ضربة مزدوجة، ضربة عسكرية وأخرى إعلامية، العسكرية هي اسر الجندي، وما لهذا الخبر من تحطيم لمعنويات الإسرائيليين، بينما الضربة الإعلامية كانت بتحدي إسرائيل بالإعلان عن كافة خسائرها الحقيقية، كاشفة بذلك كذب الحكومة الإسرائيلية على جمهورها، ولم يكن أمام إسرائيل إلا أن تعلن في الأيام التي تلتها عن إعداد القتلى الحقيقي في نفس العملية، وان تجبر على الاعتراف بعدد اكبر اقرب للرقم الصحيح في عمليات تلتها، لكي لا تظهر أمام شعبها على حقيقتها الكاذبة، لدرجة أن عائلة الجندي المخطوف قالت في لقاء مع إحدى محطات التلفزة هناك بأنهم باتوا يصدقون القسام أكثر مما يصدقوا حكومتهم من أجل معرفة تفاصيل أكثر عن حياة ابنهم.
العقيدة الدينية لدى فصائل المقاومة بالإضافة إلى الموروث الثقافي لدى الفلسطينيين لا يرى في الموت في سبيل القضية امراً يعاب، أو يستحق الإخفاء غير انه من باب مواجهة الحرب الإعلامية بالحرب الإعلامية وللأسباب الأربعة السابقة”معكوسة”، فقد أصبح من باب أولى عدم الإفصاح عن أعداد الشهداء الحقيقية، خاصة في صفوف المقاومين.
إذا كنت لا تملك حساباً على الفيس بوك أو لا ترغب بالتعليق باستخدام حساب الفيس بوك بامكانك نشر تعليقك باسم مجهول
لن يتطلب منك ذلك إدخال أي معلومات عنك
إختر من القائمة المنسدلة مجهول